رحله الاٹام
المحتويات
الأمومية البازغة باستجدائها
طب خلينا نفكر في بنتنا دلوقتي.
لاذت بالصمت فاقترب منها مسافة خطوة واحدة وسألها مجددا كأنما يحاول تذكيرها بهبة الله إليهما
يا ترى حابة اسمها يكون إيه
بحرص شديد دفعت جسدها لتتقلب على الجانب الآخر ثم أخبرته في غير مبالاة
مش فارقة سميها زي ما إنت عايز.
استاء من معاملتها الجافية معه ونظر إلى رضيعته بحزن عاجز فإرضاء أمها كان عسيرا ومحيرا. تململها الرقيق بين ذراعيه جعله يتناسى في غمضة عين همومه الثقيلة تجول بها بعيدا عن فراش والدتها الحانقة ليخاطبها في همس متشوق
التمعت عيناه بهذا البريق الحماسي وقد طاف بخلده اسما متفردا ظن أنه لائق بها وتستحقه. رفع رضيعته للأعلى قليلا ثم انحنى بفمه المبتسم على جبينها ليطبع قبلة صغيرة عليه قبل أن يهمس عند أذنها في صوت عذب أشبه بالسحر
أنا هسميكي تقى!!!
يتبع الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
لا تعبث مع غريمك
حملته الجارة في حرص واضح وهي ترد
من عينيا.
نظرت فردوس لرفيقتها بامتنان وقالت بتحرج
والله ما كان ليه لازمة ده كله.
ردت عليها باسمة
ما تقوليش كده يا دوسة إنتي مش متخيلة أنا فرحانة بيها إزاي والله ولا كأنها بنتي.
زمت شفتيها في شيء من العبوس قبل أن تخبرها
خسارة المصاريف والتكاليف هو إنتي ناقصة!
والله أزعل منك ...
ما لبث أن عادت لابتسامتها اللطيفة وهي تكمل جملتها
ما تشليش هم حاجة وبعدين سبيني على راحتي أنا عاوزة أفرح الناس كلها وزي ما بيقولوا الخير على قدوم الواردين.
مجددا شكرتها فردوس بلا ابتسام وهي تسلط نظرة فاترة إلى رضيعتها
ربنا يخليكي ليا.
السعادة التي شعر بها منذ اللحظة الأولى التي حملها فيها بين ذراعيه كانت لا توصف ولا تقارن بأي فرحة أخرى مرت عليه طوال سنوات عمره كان كمن وهب سعادة أبدية. ولج عوض إلى المسجد وباشر عمله وهو في قمة نشاطه وسعادته انهالت عليه المباركات والتهنئات من كل من يعرف ومن لا يعرف التقى بإمام المسجد الشيخ عبد الستار فاستطرد في وقار ممزوج ببسمة هادئة
احتضنه الأخير في سرور وهو يرد عليه
الله يبارك فيك.
ربت الشيخ على ظهره مرددا بنفس الصوت الهادئ والملامح المبتسمة
جعلها المولى مباركة عليك يا عوض.
عقب عليه مبتهجا
الله يكرمك يا شيخنا.
خفض عوض من ناظريه عندما وجده يمد يده بمظروف أصفر مطوي ناحيته وهو يخبره
اتفضل.
سأله مندهشا والحيرة تسيطر أيضا على نظراته
احتفظ الشيخ بملامحه المسترخية وهو يجيبه
نقوط المولودة.
في قدر من الحرج اعترض عليه رافعا المظروف تجاهه
ليه بس يا شيخنا مالوش لازمة ده كتير وآ...
قاطعه بإصرار وهو يشدد على قبضة يده المضمومة
ده رزق ربنا ليها خده وماتكسفش.
لم يجد بدا من مواصلة رفضه أمام إلحاحه الكريم وقال ممتنا
الله يباركلنا في عمرك يا شيخنا.
أضاف عليه الشيخ بتضرع
ويجعلها نعم السند ليك في الدنيا وسبب دخولك الجنة في الآخرة.
في التو أمن على دعائه
يا رب أمين.
دس عوض المظروف داخل جيبه وتابع أداء عمله كما هو دأبه وهو لا يكف عن الدعاء بالشكر للمولى عز وجل راجيا منه أن يرزقه المقدرة والعون على تربية رضيعته التربية الصحيحة.
في الفترة التي رحل فيها عن المنزل كانت والدته الأقرب إليه عن أي وقت مضى حيث كانت تلازمه ليل نهار وفي كل نشاط يقوم به تشاركه لهوه واستذكاره وفسحته وحتى تناوله للطعام وكأنها تعوض عن شوقها إليه بالانخراط أكثر معه في كل تفصيلة دقيقة تخص حياته ولم يمانع ذلك مطلقا أصبحت هذه الأيام هي الأكثر سعادة بالنسبة له آنئذ شعر بمدى عمق الارتباط الوثيق بينهما بدا وقتها وكأنه استعادها بعدما سلبها غيره كم تمنى أن تدوم هذه اللحظات الثمينة للأبد وألا يوجد من ينزع أو يفسد هذه الصلة القائمة لأي سبب كان! أنهى أوس مسألته الحسابية وأعطاها لوالدته لتراجع طريقة حله ظل يتأملها بعينين حانيتين قبل أن يخبرها في نزق
أنا بحبك أوي يا ماما.
ابتسمت لاعترافه المتكرر دوما على مسامعها انحنت عليه وضمته إلى صدرها في عاطفة أمومية جياشة رمقته بنظرتها
الدافئة قائلة
وأنا أكتر يا أوس...
ثم أشارت إلى بطنها الذي برز بشكل واضح متابعة كلامها
وبكرة لما يبقى عندك أخ أو أخت عايزاك تحبه زيي.
سألها في عبوس طفولي
إنتي هتحبيه أكتر مني
ردت نافية وهي تهز رأسها
لأ إنتو الاتنين زي بعض في نفس الحب والغلاوة...
ثم وضعت بسمة رقيقة على وجهها وهي توصيه
وبعدين إنت هتبقى الكبير ومسئول عنه يعني هيسمع كلامك ويعمل اللي إنت عاوزه.
وكأنه استساغ الأمر فصمت مليا ليستغرق في التفكير قبل أن يتساءل بقدر من الحيرة
والنونو ده هيعيش معايا عند بابا
في التو نفت وقد غامت تعبيراتها
لأ طبعا...
استغرب لهذا التجهم المريب الذي كسا تعبيراتها فحاولت تهاني التبرير له باختلاق كڈبة لحظية
حبيبي أنا مش عايزاك تنسى اللي اتفقنا عليه ماتجيبش سيرة لباباك إني حامل دي مفاجأة خلاص
حرك رأسه إيجابا وهو يرد
طيب.
مسدت على رأسها باسمة قبل أن تواصل مراجعة الجزئية التالية في واجبه الدراسي وداخلها لا يزال يلتاع لغياب من امتلك قلبها وارتحل عنها بلا محاولة واحدة للاتصال أو التواصل معها.
كأفعى تفح وتلدغ سمها الفتاك في دماء أحدهم أخبر بدري والدة عوض بالمستجد من الأحداث بعدما زارها في بيتها ببلدتها القاصية. تضرج وجهها بحمرة الڠضب واشتعلت نظراتها وهي لا تكاد تصدق أن تلك المشؤومة نجت بل وأتت بقطعة منها لهذه الحياة ظلت تردد في استنكار جلي
ولدت طب إزاي!
بتلقائية وبفم ملتو أجابها
مشيئة ربنا.
سألته في نوع من الفضول وداخلها ما زال مستعرا
وجابت إيه على كده
بنفس الملامح المتجهمة أخبرها
بت.
علقت في ازدراء حاقد
يا مجاب الغراب لأمه!
تأهب بدري للذهاب فنهض من مقعده مرددا
أنا جيت أعرفك يا خالة بده بدل ما تسمعي من الغريب!
قامت بدورها لتصحبه لباب المنزل هاتفة في وجوم أشد
وهيفيد بإيه لا عمره عوض هيرجع ولا أنا هرضى بيها!
أوصلته إلى عتبته متابعة شكواها الحانقة
كانت وش نحس من يوم ما دخلت حياتنا أنا عارفة ربنا مخدهاش ليه وريحنا منها.
نجح في مسعاه وملأ نفسها بالشرور ناحية زوجة ابنها وكأنه بذلك يقتص لما أصاب كرامته من إهانة وتحقير فرغم مضي السنوات إلا أنه لا يزال يكن في نفسه ذلك الشعور البغيض تجاه كل من له صلة ب تهاني وضع على وجهه قناع الوداعة ليقول في براءة خبيثة
عاوزة حاجة تانية مني يا خالة
ردت عليه بما يشبه التوصية
تعيش ولو عرفت حاجة تانية بلغني يا بدري أو اتصل على الرقم اللي معاك.
ألصق بثغره ابتسامته اللئيمة قبل أن يرد
أكيد يا خالة سلام عليكم.
اقتضب في الرد عليه بعدما انصرف
وعليكم...
أغلقت الباب من ورائه وصفقت بيديها قبل أن ترفعهما للأعلى صائحة فيما يشبه الدعاء
إلهي يجيني خبرك يا فردوس يا بنت عقيلة!
قفز قلبها بين ضلوعها ورقص طربا كما غمرتها موجات متدفقة من السعادة عندما نما إلى مسامعها عودة زوجها من بعد سفر طويل وغياب موجع ظنت خلال مدة بعاده أنه هجرها بعدما نجح مهاب في التأثير عليه وجعله يفارقها جبرا. هرولت تهاني بين الأروقة في خطوات أقرب للركض لا تتناسب مع انتفاخ بطنها وآلام الحمل المسيطرة عليها اتجهت في الحال إلى مكتبه نادته قبل أن تفتح الباب وټقتحم غرفته دون استئذان
ممدوح!
في تعابير شبه ذاهلة حملق ناحيتها زوجها وكأنه لا يستوعب ما يراه شلت المفاجأة تفكيره وتخشب في موضعه بلا أدنى ردة فعل ارتمت دون مقدمات في أحضانه منحته ضمة عبرت عن شوقها واشتياقها اختنق صوتها وهي تكلمه في صوت مهموس
حبيبي...
ظلت باقية في أحضانه وصوتها شبه الباكي يردد
أنا مش مصدقة إنك موجود هنا.
لم يبد بمثل شغفها وتلهفها كان فاترا في لقائه
بها لم تشعر بذراعيه يطوقاها بل كان جامدا كالصخر مصډوما في حالة من الدهشة والتعجب تراجعت عنه لتنظر إليه ملء عينيها ويداها تنخفضان لتمسك براحتيه بكت دموع الفرحة وهي تخاطبه بأنفاس منفعلة
حمد لله على السلامة.
وضعت يديه على بطنها المتكور وهي تسأله في ترقب متحمس
إيه رأيك في المفاجأة دي
كان لا يزال على دهشته المصډومة حين سألها
إنتي حامل
ضحكت لسؤاله الساذج وكأنه لا يرى حجم بطنها المنتفخ وصححت له
قول قربت أولد.
سألها في صوت شبه جاد ويداه تتحسسان بطنها في حذر
ليه ما عرفتنيش
أجابته بعد تنهيدة عميقة
كنت عايزاك تشوف بنفسك.
صمت للحظات قبل أن يعقب بشيء من الغموض
حاجات كتير كده هتتغير!
لم تكترث بالمغزى وراء عبارته هذه بل ولم تهتم على الإطلاق بما قرر فعله أثناء أشهر غيابه المهم لديها الآن أنها استعادته وأصبح معها من جديد.
بناء على ميعاد مسبق ومرتب له التقى بها في غرفة مكتبه التي بدت أصغر من تلك التي يشغلها شقيقه الأكبر في المقر الرئيسي لشركات الجندي ومع ذلك لم يكن ممانعا من هذه المظاهر الفارغة فحينما تأتي اللحظة المناسبة سيقوم بتغيير الأوضاع وإعادة الأمور لنصابها الصحيح. انتظر مهاب ذهاب سكرتيرته الخاصة بعدما وضعت فنجاني القهوة الساخنة أمامه وكذلك أمام ضيفته ليصغي إليها مجددا في انتباه كامل وهذه البسمة العذبة تحتل شفتيه
تعرف أنا مش من السهل أتعود على حد.
داعبت ناريمان خصلة شعرها المتطايرة على جبينها وطرحتها للخلف قبل أن تستأنف استرسالها بنبرتها المرحة
بس إنت فيك حاجة غريبة غامضة مش مفهومة هي اللي دايما بتشدني ليك.
طالعها بهذه النظرة المزهوة السعيدة بقرب تحقيق واحد من أكبر انتصاراته فبعد أشهر من التخطيط والترتيب وعدم التعجل استطاع بمهاراته إيقاع هذه الطريدة الجديدة ذات الطباع المستعصية وجرها إلى حبائل وهم عشقه. بهدوء الصياد المحنك علق عليها مقتضبا وفي جدية مشوبة بالاحترام
ده شرف ليا.
ارتشفت القليل من قهوتها وأضافت في تحمس وهي تعيد وضع فنجانها في موضعه
صحيح في دمج جديد هيحصل ما بين فرع شركتنا وشركتكم.
حرك رأسه معقبا
سامي بلغني بده.
سألته في فضول ونظرة حيرى تطل من عينيها إليه
إنت ليه مش ماسك معاه الإدارة أو زي ما بيقولوا صلاحياتك تعتبر أقل منه!
جاء رده مثل تعابيره هادئا
الفترة دي مش فاضي ورايا حاجات تانية أهم.
أبدت اهتمامها بما قاله فسألته بلطافة لائقة على تدللها
زي إيه
كالعادة حينما يحب استطالة الحديث مع إحداهن وإظهار مدى تفرده عن غيره من الرجال أتى جوابه في صيغة تساؤلية
كدكتور ولا كرجل أعمال
مطت فمها قليلا ثم هزت كتفيها هاتفة
زي ما تحب.
رفع يده ليمررها في خصلات شعره ثم أخبرها بما صدمها تماما
بالمناسبة أنا مسافر تاني واحتمال أغيب فترة.
لاحظ بعينيه الثاقبتين تبدل
متابعة القراءة