تختبرني يا سيدي ضحك وأجابه خمسة من عساكري لم يقدروا أن يغلبوك أليس هذا كافيا قال الولد سأرجع الآن وأخبر أبي وأمي وآتي غدا سار سعيد في طريقه والدنيا لا تسعه من الفرح وكان يضرب الحمار ليسرع ولما وصل أخبرهما ففرحا وفي الصباح أعدت الأم لإبنها جرابا بالطعام وذهب معه أبوه وسارا حتى إقتربا من المدينة فقال سعيد لأبيه أدخل معي لكن الأب تردد وأجابه ليس الآن المرة القادمة كان سعيد متحمسا ويطيع القائد في كل ما يأمره به فأعجبه وأكثر من ذلك أظهر براعته في الرماية بالبنادق والضړب بالسيوف .
ولم تمض سنة حتى صار ضابط صف وسعد أبواه بذلك أحد الأيام قال له القائد سآخذك إلى قصر الباي مع سرية من العساكر فهناك حفلة لعيد ميلاد إبنته صفية يحضر فيها كبار الأعيان لما وصلوا إنضم القائد للمدعوين أما سعيد فوقف على باب القاعة الكبيرة ينظر لما حوله وهو متحير لمظاهر الرخاء والبذخ فجأة دخلت إبنة السلطان مع رفيقاتها ولما التفتت إليه أحست أنه ينظر إليها بدهشة .دخلت الفتاة لكن بقي بالها مشغولا به فقد كان سعيد فتى طويلا و جميل الوجه إنهمك الجميع في الأكل والغناء أما صفية فبقيت صامتة .
فهمت أحد البنات سبب شرود صفية ونظراتها نحو الباب فأمسكت سعيد من ذراعه وأدخلته القاعة ولما رأته بنت الباي أمامها إحمر وجهها وتلعثمت أما هو فنزع قبعته وحياها بأدب دون أن يرفع نظره عن الأرض وقال أجمل الأعياد لمولاتي ثم دار لكي يخرج لكنها قالت يمكنك الانضمام إلينا فالأكل كثير !!! مد سعيد يده وأخذ طبقا ملأه بالحلوى وبدأ يأكل مع الأميرة فطابت نفسها وأكلت هي أيضا .ولما إلتفت القائد شاهد صفية تضحك مع سعيد فإنزعج وهم بالذهاب إليه لكن الباي أومئ له برأسه وقال دعها ولا تفسد عليها عيدها
كان الباي يحب إبنته كثيرا ولما رأى الفرحة على وجهها وسمع ضحكتها عرف أنها متعلقة بذلك الفتى سعيد فأمر بتعيينه ضمن حرسه وأصبح يرافقه في كل مكان يذهب إليه ويخرج معه للصيد وكان سعيد بارعا في الرمي ولا يخطأ الهدف فإنبهر به الباي وأمر بترقيته إلى ضابط برتبة يوزباشي وجعله رئيسا للحرس. بدأ غرور سعيد يزداد وأصبح نادرا ما يذهب لرؤية أهله وتوقف عن إرسال المال لهم وصار كل همه الثراء ولا يخجل أن يطب مالا من إبنة الباي ويختلق كل مرة عذرا ولم يمر أقل من عام حتى إشترى دارا كبيرة لكنه لم يكتف بذلكوزاد جشعه وأصبح يتأفف من الفقراءويبتعد عنهم كان يريد أن ينسى الناس أنه من جبل العميان وأن أبواه فقيرين يصنعان الجلد .
أحد الأيام مرضت أمه عليه فلم تره وتسمع أخباره منذ مدة طويلة فحمل له أبوه جرابا من الطعام الذي يحبه وركب حماره إلى المدينة ولما وصل إلى ثكنة العساكر أعلموه أن إبنه صار رئيس الحرس في قصر الباي وأنه تغير كثيرا فتعجب الشيخ وقال في نفسه من كان يظن أن ذلك الولد الفقيريصل إلى هذه المكانة لقد كان على حق بالخروج من ذلك الجبل وربما حان الوقت لنا جميعا لنفعل مثلهكان يمشي ويفكر حتى وصل أمام باب القصر وفي تلك اللحظة كان الباي خارجا مع إبنته ولما رأى الشيخ مع حماره قال لسعيد ماذا يفعل هذا القذر أمام بابي أطلب منه أن يذهب للجامع إن كان يبحث عن الصدقة !!!
أحس الفتى بالحرج لرؤية أبيه بملابس مهترئة وحذاء مثقوب ولم يجرأ أن يسلم عليه أمام إبنة الباي صفية فماذا ستقول إن عرفت أنه أبوه فرح الشيخ لما لمح إبنه قدامه وفتح ذراعيه لكن سعيد دفعه في صدره وصاح في وجهه خذ حمارك وإبتعد من هنا !!! هل فهمت لم يصدق الشيخ ما فعله الولد وقال له ويحك !!! أتخجل من أبيك الآن حسنا سأذهب وخسارة فيك كل دمعة ذرفتها أمك ثم راح في سبيله وهو يبكي ويشهق ولما وصل إلى داره حكى لإمرأته ما حصل ولم يحتمل جسمه الضعيف الصدمة فمرض ولازم الفراش واضطرت المرأة لتخرج للعمل .سمع الجيران وجاءوا لمواساة الشيخ الذي قال لهم